بسم الله الرحمن الرحيم
تعود بي الذاكرة خمسة عشر سنة إلى الوراء عندما كنت في أول رحلة لي إلى أمريكا ، أتذكر ذات مرة كنت أسير في أحد الشوارع و كانت معي علبة فارغة و نظرت حولي فلم أجد حاوية نفايات فوضعت العلبة وضعاً بجوار عمود الإنارة ليتمكن عامل النظافة من إزالتها لاحقاً ، كان هناك رجل يقوم بتنظيف أوراق الأشجار المتساقطة بواسطة آلة تنفخ الهواء لتزيل الأوراق المتساقطة من على الرصيف المقابل ، تفاجئت بالرجل يهرع إلي و يحصل هذا الحوار :
الرجل يقول لي : أعتقد أنك وضعت علبة هناك ؟
قلت له : نعم ، لم أجد حاوية نفايات ووضعت العلبة بجوار العمود
قال لي : و لكن هذا ممنوع ، و أخرج بطاقته و قال لي أستطيع أن أعطيك مخالفة على ذلك ( و ذكر المبلغ و لكني نسيت كم كان المبلغ) و لكني لن أفعل ، أكون لك شاكر و مقدر إن أزلت العلبة من هناك
قلت له : أنا آسف و لكني لم أعلم أن هذا ممنوع كما أني لم أرى حاوية
قال : يجب أن تحتفظ بالعلبة معك حتى تجد حاوية هذا هو النظام هنا
و ذهبت و أخذت العلبة
و أخذ يشكرني و يحييني على ما فعلت
أتذكر الموقف السابق و أن أرى العلب تتطاير من نوافذ السيارات في طرقاتنا و أرى المناديل و الأوراق تتطاير بزهو في شوارعن
أتذكر أننا عندنا شيء أسمه " عين النظافة " يفترض أن يرصد مخالفي تعليمات منع الرمي في الشوارع ... نعم أتذكر ملصقات و دعايات و إعلانات و تغطيات في الصحف و التلفزيون
و لكن ظلت تنظيمات )مع وقف التنفيذ ( .
فلا مخالفات ترصد و لا آلية واضحة و محددة لضبط هذه المخالفات لذا تظل "عين النظافة " حبراً على ورق
لن تحتاج أن تسافر بعيداً لتجد أنظمة تطبق بدقة ، أذهب إلى دبي و أدخل مواقف أحد المجمعات التجارية (لاحظ معي أسواق تجارية و ليست المحكمة أو الوزارة) إن وجدت موقفاً خالياً و قريباً من مدخل المجمع فلا تفرح ، لأن هذا الموقف مخصص للمعاقين و الجميع يحترم ذلك ، إن لم يكن خالياً فدقق في لوحة السيارة ستجدها في الغالب سعودية و لمزيد من المتعة أنتظر دقائق لتشاهد المسئول يقف عند تلك السيارة محرراً لها مخالفة وقوف في موقف المعاقين
يحصل هذا في مجمعات تجارية و حصل أمام عيني بينما في المقابل عندنا يعتبر موقف المعاقين حقاً مكتسباً لأي سائق قليل ذوق أو لا يحترم نفسه و لا يحترم غيره حتى لجأت بعض الجهات لوضع سلاسل تغلق مواقف المعاقين أمام مثل هؤلاء المتطفلين
أين مخالفة الوقوف الخطأ في موقف معاق ... موجودة و لكنها ( مع وقف التنفيذ ) .
في الدول المتقدمة يمنع التدخين في جميع الأماكن المغلقة و توضع تنظيمات تنفذ لتطبيق هذه القوانين و الهدف منها حماية لحق غير المدخن بالاستمتاع بهواء بدون دخان و عندنا أيضاً يمنع التدخين في أماكن العمل و في المطارات و في الأسواق و تمتلئ بلوحات ممنوع التدخين
و لكنك تدخل المطار فتشم مختلف الروائح من جميع أنواع الدخان
موظفي المطار يدخنون ... عمال النظافة يدخنون ...المسافرون يدخنون
و لو تجرأت و كلمت أحدهم بأن هذا ممنوع فستكون أنت الغلطان لأنك تطفلت عليه و لن تجد أحداً تشتكي له الحال
ليجرب أحد هؤلاء التدخين في صالة مطار خارج المملكة و يرى مصيره ، نفس الراكب يشعل سيجارته عند بوابة دخول الطائرة في السعودية و يستمتع بنفث الدخان في وجوه الآخرين و عندما يصل المطار خارج المملكة فإنه يسارع للسؤال بلطف "أين المكان المخصص للتدخين؟ "
الفرق أنهم عندهم أنظمة تطبق ... بينما عندنا تظل و بكل أسف ( مع وقف التنفيذ ) .
نقرأ التصريحات بأن الجهات الرسمية تقوم بملاحقة مخالفي نظام الإقامة و التحذيرات المتتالية من مغبة التستر أو تسريح العمالة و من يقرأ ذلك يعتقد أن العمالة المخالفة مختفية في سراديب و أننا نبحث عنهم لتخليص المجتمع منهم
و لكننا نراهم يومياً و نتعامل معهم يومياً أمام أعين جميع الجهات الرسمية و لا أحد ينطق بكلمة
أليس العامل الذي يقوم بغسيل السيارات في الأسواق و المشهورين بجملتهم الشهيرة ( غسيل سيارة صديق ) أليس مخالفاً ؟ هل أتى بتأشيرة عامل غسيل سيارات ؟ و من كفيله؟ و هل يهرب عندما يرى دورية شرطة أو جوازات ؟ أم أنه يعرض عليهم (غسيل سيارة صديق) ؟
و العمال في الشوارع و أمام محلات البناء و أمام محلات الأطباق الفضائية هل جاءوا لهذا الغرض ؟ هل يعملون مع كفيلهم و تحت رقابته أم أنهم مسرحون و مخالفون ؟ و السؤال الأهم هل يسألهم أحد عن أقاماتهم؟
لا نحتاج إلى مخبرين سريين و لا إلى فرق رقابة و مداهمة للتخلص من مثل هؤلاء نحتاج إلى تنظيمات أظنها موجودة و لكنها تبقى( مع وقف التنفيذ ) .
نقرأ و نسمع عن منع استخدام الجوال أثناء القيادة و نفرح بذلك ، و لكننا لا نتفاجأ عندما نرى السائق الذي أمامنا ينحرف بسيارته يمنة و يسرة و هو يستمتع بحديث طويل في الجوال لا ينتهي ، و لا نستغرب عندما نرى السيارة التي خلفنا تأتي مسرعة لا يحس سائقها بسرعته و هو يحاول إنهاء قصة حياته على الجوال و لا يعلم أنه قد ينهي حياته أو حياة غيره قبل أن ينهي مكالمته
لا نستغرب لأننا نعرف أن ما قيل من منع استخدام الجوال أثناء القيادة سيبقى حبراً على ورق أو نظام يطبق مؤقتاً ليعود مرة أخرى و يصبح( مع وقف التنفيذ ) تماماً كما حصل مع حزام الأمان