لله وبعد: لقد انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة سفر العائلات (الرجل وزوجته وأولاده ذكوراً وإناثاً)!! وقد يسافر الأبناء والبنات مع والدتهم دون والدهم وذلك لقضاء الإجازة في بلاد كافرة أو دول عربية التي تنتشر فيها المنكرات..
فأصبح بعض بني قومي - هداهم الله- يتباهون بذلك ويفتخرون به بعد عودتهم لينشروا دعاية لتلك البلاد متجاهلين ما يترتب على السفر من مفاسد على الدين حيث ترتكب محرمات بحجة الضرورة كالتصوير ومفاسد على الأخلاق بما يرونه من أخلاق منحرفة وسلوكيات معوجة ومفاسد على العقيدة بما يقابلهم من شعوذة وسحر وكهانة كقراءة الكف ونحوها وقد قال صلى الله عليه وسلم: « من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمّد » ومفاسد ملية حيث التبذير والإسراف في المباحات وكذلك في المحرمات كما يفعل كثير من الشاب حيث ينفقون على شهواتهم المحرمة والخمور والفواحش ودخول المراقص والملاهي الشيء الكثير.
لذا أصبحنا نرى في الأيام التي تسبق الإجازة ذهاب بعض الرجال بنسائه إلى محلات التصوير لتصويرهن (عند الرجال) بلا داع من حياء! أو زاجر من غيرة! أو حاجز من دين!! ليضعوا صورهن على جوازات السفر.. والتصوير لهذا الغرض لا يجوز (كما يُفتي علماؤنا) ولو كانت المصورة امرأة فقد قال صلى الله عليه وسلم: « كل مصوّر في النار » وقال: « من صور صورة كُلِّف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » والسفر للنزهة والسياحة ليس ضرورة تبيح ارتكاب المحظور شرعاً، كما أن في بلادنا- ولله الحمد- من المناطق السياحية الجميلة ما يغني عن السفر للخارج كأبها والطائف وما حولهما.
والعجيب من كثير من المسافرين للخارج أنهم يُحرّضون غيرهم ويدعونهم تصريحاً أو تلميحاً للسفر بما ينشرونه من ثناء ومدح وبما يعودون به من صور متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم من شيء » [رواه مسلم].
ومن صور مباهاتهم (شاهدنا) في أمريكا.. وزرنا في أوروبا.. ودخلنا كنيسة في...!! والأعجب من ذلك أن بعض المسافرين شرقاً وغرباً ليس في برنامج إجازتهم وقت لزيارة مكة المكرمة وأداء العمرة، بل وقد يكونون من السائحين في الداخل؟!
حكم تصوير النساء ومفاسد السفر للخارج
ولقد سُئل فضيلة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين- حفظه الله- عن ظاهرة سفر العائلات لدول عربية أو غربية، آسيوية أو أوروبية أو أمريكية، ولأجل السفر لا بد من تصوير نفسه وأولاده وزوجته وأن الذي نعرفه من فتاوى علمائنا أن التصوير لا يجوز إلا للضرورة.
مع ما في السفر لأي من تلك الدول من إضاعة للوقت وإنفاق للمال بكثرة في المباحات وربما المكروهات والمحرمات، وكذلك سفور النساء وتبرجهن بكشف الوجه جزئياً أو كلياً، ومشاهدة أنواع المنكرات التي لم يتعودوا على رؤيتها في بلادهم ممّا يهوّن عليهم ارتكاب المحرّمات ورؤية المنكرات فيما بعد.
نرجو منكم إفادتنا عن حكم التصوير لذلك الغرض وهل يعتبر السفر للسياحة ضرورة تبيح للرجل تصوير زوجته ومحارمه. وكذلك السفر لتلك البلاد التي تنتشر فيها المنكرات المعلنة دون أن يكون لهم استطاعة على إنكارها ولا على غض البصر عنها.. إلى آخر ما جاء في السؤال، فأجاب فضيلته قائلاً:
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وآله وصحبه:
وبعد فقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم التصوير كقوله صلى الله عليه وسلم: « كل مصوّر في النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسُ فيعذبه في نار جهنّم » وقوله: « أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون » ، وقوله: « من صوّر صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » وقوله: « يُقال لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم » ونحوها من الأحاديث الصحيحة وهي عامة في كل التصوير منقوشة أو منحوتة أو مرسومة أو مجسدة أو لا ظل لها، وورد الأمر بطمس الصور وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وحيث وُجدت ضرورة في هذه الأزمنة لضبط الحدود والحقوق فقد رخص المشايخ والعلماء في الأشياء الضرورية: كالحفائظ والجوازات، ونحوها لمن أراد السفر لعلاج، أو دراسة ضرورية أو نحوهما، فله أن يصوّر في الجواز لعدم التمكن إلا بذلك، فأما سفر السياحة والفرجة فليس من الضروري فأرى أنه لا يباح لأجله التصوير سيما السفر بالنساء والعوائل لأجل النزهة والتمشية فإنه يترتب عليه مفاسد كثيرة، أولها: التصوير للمحارم بحيث يكشف عليهن رجال في الحدود ومداخل الدول مع تحريم كشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب، وثانيها: أن هذه الأسفار لا فائدة فيها أصلاً، بل هي إضاعة للوقت الثمين وذهاب للعمر في غير فائدة وادّعاء أن هذه من باب الاطلاع ومعرفة أحوال البلاد وما تحويه من المنافع ونحوها غير صحيح فإن المسافرين لها لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكر وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار. وثالثها: ما في هذه الأسفار من إضاعة المال الذي ينفقه مثل هؤلاء وينتفع به قوم كُفّار هم أعداء للإسلام يقوون به على دعم الكفر والدعاية للأديان الباطلة وحرب الإسلام والمسلمين، ورابعها: توسّعهم في المباحات التي تشغل عن الطاعات وربما تناول الكثير من المكروهات وقد تجرّهم إلى المحرمات فكثيراً ما نسمع أن أولئك المسافرين يقصدون الإباحية، فيقعون في الزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني وحضور مواضع الرقص والطرب ويصرفون في ذلك أموالاً طائلة في مقابلة تناول المحرّمات أو المكروهات ونفع أهل الكفر وحرب المسلمين. وخامسها: وقوع نساء المؤمنين في مخالفة الشرع حيث إن المرأة المسلمة تخلع جلباب الحياء وتكشف وجهها ورأسها وتبدي زينتها وتقلّد نساء الكفر بحجة أنها لا تقدر على التستر بين نساء متبرجات فتقع في المعصية وتشبه بالكافرات أو العاصيات ولا يقدر وليها على ردعها، وسادسها: أن في السفر إلى تلك البلاد لغير ضرورة وسيلة إلى فعل المعاصي أو احتقار المسلمين وازدرائهم بحيث يسب التعاليم الإسلامية ويُعظم قدر الكفار في القلوب، فننصح المسلم أن يحفظ نفسه وعقله ونساءه وأمواله ودينه ودنياه وأن لا يسافر إلا لضرورة شديدة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمّد وآله وصحبه وسلم.
بقلم عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 18/ 2/ 1419هـ